
الدعم المؤسساتي في المدرسة المغربية بين معالجة التعثرات وتكريس الواقع
تقديم
يشكل الدعم
أبرز مكونات العملية التعليمية التعلمية يؤدي وظيفة تشخيص وضبط وتصحيح مختلف
الاختلالات وتقليص الفارق بين مستوى تعلم التلاميذ الفعلي والأهداف والكفايات
المنشودة في مختلف المستويات الدراسية. ويكتسى أهمية كبيرة في مساعدة التلاميذ على
تجاوز الصعوبات التعلمية التي تعيق قدرتهم على مسايرة دراستهم بسلاسة خاصة بالنسبة
للمتعثرين منهم. والتي قد تؤدي، في حالة عدم معالجتها، إلى تعميق نسبة عدم تحكم
التلميذات والتلاميذ في التعلمات الأساس، مما يجعل مواكبة البرنامج الدراسي أكثر
صعوبة.
ففي وثيقة
حديثة صادرة عن وزارة التربية الوطنية في 2018، أن التعريف المقترح يعكس تمثلا
مختلفا لماهية الدعم، حيث يحتل الدعم مكانة أساسية في سيرورة التعلم إذ يعتبر فرصة
لترسيخ مواطن القوة، وأداة للوقاية من تراكم التعثرات التي قد تصيب المتعلمين
والمتعلمات وتؤدي بهم في حالة عدم تداركها، إلى الفشل والهدر الدراسيين.
إذا كان الدعم بمختلف أصنافه؛ والدعم المؤسساتي على وجه التحديد يبتغي معالجة تعثرات المتعلمين بالمدرسة العمومية المغربية فهل حقق مختلف الأهداف المحددة له، وماهي مختلف الإكراهات والعوائق التي تحد من تحقيقها؟
أولا: الدعم المؤسساتي وأهدافه
يعد الدعم
التربوي بصفة عامة من المكونات الأساسية للعملية التعليمية التعلمية، وهو بمثابة
جزء لا يتجزأ عن المنهاج التعليمي، فهو عملية إجرائية يستهدف تطوير المعارف
والمهارات وتعميق التعلم وترسيخ المكتسبات المعرفية ومعالجة مختلف التعثرات لدى
عينات مختلفة من المتعلمين والمتعلمات، وبهذا أصبح الدعم التربوي كإجراء
تربوي يكتسي أهمية كبرى لاستدراك التعلمات السابقة وتقليص الفوارق الفردية بين
جماعة الفصل، وتحقيق تكافؤ الفرص ودمقرطة التعليم، فالنقص الحاصل في المهارات
الاكاديمية قد لا يرتبط بنقص عقلي أو عوامل أخرى فقد يكون ناجما عن أساليب الدعم
التربوي ومناهجها، فالتمايزات في الحافزية والدافعية وإيقاع التعلم واستراتيجيات
المعتمدة في تملك المفاهيم والعمليات المؤدية الى اكتساب المعرفة قد يحدث فوارق
بينهم في التحصيل الدراسي.
فالدعم بمثابة إجراءات
وتقنيات واستراتيجيات وأنشطة، ووسائل وطرائق تستهدف التصحيح والتشخيص والرصد
وتقليص الفوارق وتعويض النقص، وتجاوز الصعوبات بناء على التقويم والمراقبة
المستمرة، ويرتبط بالتعثر الدراسي، ويتخذ هدفا له تصحيح وضعيات تعليمية تعلمية قصد
تجاوز مظاهر التعثر، ومن ثم يشكل استراتيجية بيداغوجية تصحيحية، تبدأ بتشخيص عوامل
التعثر الدراسي أو النقص الذي أسفرت عنه عملية التقويم، تليها عملية ضبط وتصحيح
مسار عملية التعلم والتعليم من خلال تدخل المعنيين بعملية الدعم، داخل القسم أو
خارجه ككل. فهو عملية تواكب كل مراحل العملية التعليمية التعلمية مما يساهم في
الوقوف على مختلف التعثرات التي تواجه التلميذ، مما يدفع نحو تشخيصها.
ويتوخى برنامج
الدعم المؤسساتي بمؤسسات الريادة والمؤطر بالمذكرة الوزارية رقم 4734 بتاريخ 13
دجنبر 2024 مواكبة منتظمة وتتبع
مستمر لمدى تحكم تلميذات وتلاميذ هذه المؤسسات في التعلمات الأساس، مستهدفا
بالخصوص التلاميذ الأكثر تعثرا، حيث يقدم هذا الدعم مباشرة داخل مؤسستهم بالأولوية
من طرف اساتذتهم.
وتختلف أنماط
الدعم وصيغه باختلاف الوضعيات التعليمية التعلمية، أي باختلاف الفئة المستهدفة من
الدعم، والفضاء الذي يتم فيه. فالدعم المؤسساتي أو الممتد، يقصد به مجموعة الأنشطة
والوسائل والإجراءات التي تتوخى معالجة حالات التعثر الدراسي من خلال تقليص الفارق
الملحوظ بين المستوى الفعلي للتلاميذ والأهداف المنشودة في إطار أقسام خاصة أو
وضعيات تعليمية مستقلة عن السير العادي للبرامج الخاصة بالمواد الأساسية. إنه دعم
يقع خارج الفصل الدراسي لكنه لا يخرج عن نطاق المؤسسة التعليمية في سياق وضعيات
على هامش السير العادي للبرنامج الدراسي في إطار عروض أو محاضرات أو أنشطة ترتبط
بمختلف المواد ينفذها وينشطها مدرسون ينتمون إلى المؤسسة، أو أطر إدارية، أو
فعاليات تتم دعوتها للانخراط في مشروع المؤسسة ومنحى الدعم. في هذا الإطار حددت
اللجنة المركزية للدعم التربوي ثلاثة أنماط من الدعم وهي:
- الدعم المندمج الذي ينجزه المدرس داخل الصف؛
- الدعم المؤسسي الذي يتم داخل المؤسسة وفي أقسام خاصة؛
- الدعم الخارجي الذي يتم في فضاءات خارج المؤسسة.
ويستهدف الدعم المؤسسي كغيره من أنواع الدعم كشف وتشخيص مواطن وأسباب التعثر والتأخر، والعمل على تصحيحها وسد الثغرات وتقليص الفوارق المعرفية والمهارية بين التلاميذ خاصة المتعثرين منهم، وتحسيس التلميذ بنقائصه وأخطائه ودفعه إلى تجاوزها بمساعدة الأطراف التي تقوم بالدعم أو المشرفة عليه أو المشاركة فيه. فالدعم المؤسسي يمكن أن يكون عبارة عن دروس للتقوية أو أنشطة أو مشاريع تندرج في إطار مشروع المؤسسة بشراكة مع مؤسسات أخرى أو مع النيابة أو الأكاديمية أو في إطار شراكات مع هيئات ومؤسسات المجتمع المدني.
ويتم الدعم المؤسساتي خارج القسم وداخل المؤسسة
في إطار أقسام خاصة، ومن إجراءاته إنجاز مشروع المؤسسة لتغطية بعض جوانب النقص لدى
المتعلمين؛ وإحداث أقسام خاصة بالدعم في مواد معنية؛ والدعم في فضاءات مدرسية أخرى
كمراكز التوثيق والخزانة المدرسية والقاعات متعددة الوسائط.
وتستهدف أنشطة
الدعم المؤسساتي بمؤسسات الريادة التلاميذ الأكثر حاجة للدعم من بين تلاميذ
المؤسسة، ويتم إعداد لائحة التلاميذ المعنيين من قبل مدير (ة) المؤسسة، مع
المصادقة عليها من طرف المفتش (ة) المؤطر (ة)، وذلك وفقا للأولويات التالية:
- التلاميذ الذين أبانوا عن تدن كبير في نسب التحكم في التعلمات الأساس للمواد الثلاث اللغة العربية واللغة الفرنسية والرياضيات، وذلك بناء على نتائج الروائز البعدية لفترة الدعم المكثف خلال فترة شتنبر.
- تلاميذ المستويات من الثالث إلى السادس بالدرجة الأولى، مع إمكانية إضافة تلاميذ المستوى الثاني ثم المستوى الأول كلما سمحت البنية المادية بذلك، وكلما توفر عدد كاف من المنخرطين في برنامج الدعم المؤسساتي.
يقوم نموذج
مؤسسات الريادة على مبدأ أساس عدم ترك أي تلميذ(ة) يعاني من تعثرات. حيث يشكل
برنامج الدعم المؤسساتي ركيزة أساسية لهذه الرؤية، ويساهم في بناء نظام تعليمي
مدمج لجميع الفئات ومنصف لكل التلاميذ. ويهدف إلى:
وسيتم تفعيل
برنامج الدعم الممتد طيلة السنة الدراسية في مدارس الريادة لتحقيق الأهداف
التالية:
- تمكين المتعلمين من مواصلة معالجة تعثراتهم وتحسين مستوى التحكم في التعلمات الأساس؛
- مواكبة إرساء التعلمات الجديدة بشكل متزامن ومتناسق مع كل مرحلة من مراحل إرساء التعلمات الجديدة؛
- تعزيز الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين؛
- تحسين فعالية التدريس بالنسبة للأستاذ من خلال تمكينه من الاشتغال في إطار فصل دراسي متجانس من حيث مستوى الأداء.
- تمكين كل تلميذ(ة) من تجاوز التعثرات التي تعيق تعلماته الجديدة، والتي ستؤثر سلبا على مساره الدراسي، من خلال مواكبته بدعم مؤسساتي منتظم طيلة السنة الدراسية، بهدف بلوغ مستوى التحكم الموافق لمستواه الدراسي وتأهيله المسايرة إيقاع التعلم في باقي المواد الدراسية.
- تدارك التعثرات المحتملة في إرساء التعلمات
الجديدة بالموازاة مع إرسائها، مما سيساعد على تحقيق 80% نسبة للتحكم في التعلمات
باعتبارها عتبة للتحكم خلال حصص التدريس الصريح في إطار معالجة استباقية.
- تحقيق تكافؤ الفرص بين المتعلمات والمتعلمين.
- تيسير عمل الأساتذة من خلال تحقيق فصول دراسية لتلاميذ متقاربين من حيث مستوى الأداء.
كما يهدف الدعم
المؤسساتي إلى جعل المتعلمين قادرين على تجاوز تعثراتهم في الوقت المناسب حتى لا
تتراكم وتتحول إلى عوائق تعلمية. وتجاوز معيقات التعلم التي لا يكون المتعلم
بالضرورة سببا فيها.وتقليص الفوارق التعلمية بين
المتعلمين. وتحقيق الاندماج بين مجموعة الفصل الواحد.
وتيسير عملية الربط بين المكتسبات السابقة والتعلمات اللاحقة. وتمكين المدرس من البحث عن بدائل بيداغوجية تيسر له تحقيق نتائج أفضل.
ثانيا: أبرز الإكراهات والمعيقات التي تحول دون تحقيق الدعم المؤسساتي النتائج المرجوة
لقد اهتمت كل
الخطط الجهوية التي تم الإفصاح عن محتوياتها باستعراض الإجراءات والعمليات بشكل
سطحي وغير دقيق لتنفيذ الدعم التربوي وكأن المكلفين بالتنزيل خاضعين للتكوين
الأساس في مهنة التدريس ويدركون بشكل جيد محتويات المنهاج الرسمي المغربي. فرغم
إمكانية توفير العنصر البشري والمقومات المادية للقيام بالمطلوب فإن غياب الضبط
وسياسة واضحة لتتبع العملية وتقويمها مرحليا وعند الانتهاء من تنفيذ كل العمليات
سيجعلها مجرد أحداث ومظاهر استعراضية لا غير، يصبح الهدف منها هو تبرير نتائج
دراسية نهائية للموسم الدراسي وتوجيه رسالة واضحة لأطر الأكاديميات الجهوية مفادها
وجود تغيير واضح في التعامل مع احتجاجاتهم المؤثرة في تنفيذ المنهاج الدراسي.
كما أن
إسناد تنفيذ الدعم لأشخاص غير مؤهلين لتنفيذ هذه الخطة المصاغة على الصعيد الجهوي لم
يأخذ بعين الاعتبار الخصائص المحلية لكل منطقة، حيث لا يمكن تنفيذ الدعم من قبل
أشخاص لا علاقة لهم بمهنة التدريس وغير مدركين لماهية هذه المهمة المعقدة التي
يستوجب الحفاظ على معناها الحقيقي الابتعاد أكثر عن العشوائية والارتجالية.
فبالرغم من
تزايد أعداد المتمدرسين والمتمدرسات، وارتفاع نسب التسجيل بالمدارس إلا أن تمكينهم
من المهارات الكفيلة بضمان استمرارهم في مساراتهم الدراسية، لا زال يشكل عائقا
حقيقيا للمنظومة التعليمية، إذ يظل ضعف تملك الكفايات المطلوبة، وتفشى الهدر
المدرسي تحديين كبيرين رغم التقدم الملحوظ في تحقيق الأهداف الكمية.
كما يمكن حصر أهم المعيقات والصعوبات التي تحول دون تفعيل بيداغوجيا الدعم في الوسائل التعليمية والبنية التحتية والزمن المدرسي، وتكوين الفاعلين التربويين، بالإضافة وارتفاع عدد المتعثرين في أغلب الفصول الدراسية، هذا الى جانب صعوبات أخرى تم تسجيلها تتمثل في الأقسام المشتركة والاقسام المتعددة المستويات ومشكل الاكتظاظ وطول المقررات والمواد الدراسية. إضافة إلى حاجة فئة من المدرسين الى التكوين في مجال الدعم البيداغوجي، الشيء الذي تبين من خلال عدم تمكنهم من القدرة على إعداد استراتيجية الدعم البيداغوجي في معظم مراحلها من مستوى التخطيط إلى مستوى الأجرأة والمتعلق بالإجراءات المتخذة لضبط مسيار التعلم والتعليم وسد النقص في مختلف التعلمات من معارف ومهارات وقدرات.
وتعترض عدة
عوائق المدرسة العمومية المغربية بمختلف أسلاكها منها ما يعود للبرنامج المتبع
والسياسة التعليمية التي نهجتها البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم، ومنها ما يعود
للمتعلمين والمدرس وظروف اشتغاله لذلك ينبغي تنظيم وعقلنة بيداغوجية الدعم بشكل
يساهم في التخفيف من التعثرات التي يعاني منها المتعلم المغربي وتكريسا لمبدأ
تكافؤ الفرص والمساواة بما يضمن التفوق وتجاوز مختلف التحديات.
وبشكل عام يمكن
رصد مختلف العوائق التي تحول دون تحقيق الدعم المؤسساتي بصيغته الحالية في مدارس
الريادة وتحديدها فيما يلي:
🔹الحاجة إلى انخراط جميع مكونات المؤسسة التعليمية (إدارة، أساتذة، شركاء) لتطبيق برامج الدعم بشكل متكامل.
🔹الدعم المؤسساتي هو أداة لمكافحة التسرب المدرسي يتطلب جهوداً منسقة لضمان تحقيق أهدافه في تحسين التحصيل الدراسي ومحاربة التعثر.
🔹نقص حاد في الأطر المؤهلة بالمناطق النائية، وضعف التجهيزات والميزانيات المخصصة، مما يحول دون تقديم دعم فعال.
🔹افتقار العديد من المدارس إلى البنية التحتية الأساسية المناسبة، مما يعيق تنفيذ برامج الدعم.
🔹ضعف التنسيق بين مختلف المؤسسات الحكومية المعنية بالتعليم، وعدم استقلالية المؤسسات التعليمية في اتخاذ القرار.
🔹ضعف انخراط بعض الفاعلين الميدانيين، بمن فيهم المدرسون وأولياء الأمور، في برامج الدعم المؤسساتي، مما يقلل من فرص نجاح هذه المبادرات.
خلاصات عامة
تتطلب معالجة
هذه الإكراهات تضافر جهود جميع مكونات المجتمع، بما في ذلك الحكومة والمدرسون
والأسر وشركاء المجتمع المدني، لضمان توفير تعليم جيد ومنصف للجميع. فالدعم
التربوي أداة فعالة لتجاوز أشكال التعثر الدراسي ومن الاقتراحات التي يمكن أن
تساهم في تجويد الدعم المؤسساتي وتحقيقه الأهداف المرجوة نذكر:
شاركنا رأيك في التعليقات.